أكد أعضاء لجنة إدارة البنك المركزي الأوروبي فابيو بانيتا بشكل واضح أن النظام النقدي الدولي يتجه من هيمنة الدولار الأحادية إلى توزيع متعدد الأقطاب. ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي (IMF) حتى الربع الثاني من عام 2025، انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات الأجنبية العالمية إلى 56.32%، وهو أدنى مستوى منذ 30 عامًا. وأكد بانيتا أن تسارع الرقمية في الاقتصاد العالمي وتعدد الأقطاب الجيوسياسية يعيدان تشكيل نظام العملات الدولية.
الثلاثة تشققات الهيكلية في انهيار هيمنة الدولار
انخفاض حصة الاحتياطيات بالدولار دون 56% ليس تقلبًا عشوائيًا، بل نتيجة تفاعل ثلاث قوى هيكلية رئيسية. أولًا، تخطى حجم ديون الولايات المتحدة 36 تريليون دولار، بنسبة تصل إلى 124% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم يتجاوز بكثير الحد الآمن الذي يراه الاقتصاديون عند 90%. وأشارت تقارير داخل البنك المركزي الأوروبي إلى أن الإفراط في تسييل الدين يهدد الأساس الائتماني للدولار، مما يدفع البنوك المركزية لإعادة تقييم مخاطر حيازة الأصول بالدولار.
ثانيًا، تسريع تسليح المالية أدى إلى تآكل نفوذ الدولار. بعد أزمة أوكرانيا، تم تجميد احتياطيات روسية بقيمة 300 مليار دولار، وهو إجراء غير مسبوق أظهر المخاطر السياسية المرتبطة بنظام الدولار. وتحول روسيا بسرعة نحو التسوية باليوان، حيث تجاوزت حصتها 95%. وتعمل دول البريكز (BRICS) على إنشاء نظام دفع مستقل عن سويفت، رغم أن التقدم بطيء، إلا أن الاتجاه واضح. وعلى الرغم من أن بانيتا لم ينتقد الولايات المتحدة بشكل مباشر في خطابها في دبلن، إلا أنه أشار إلى أن العقوبات الأحادية «قد تكون فعالية عكسية».
ثالثًا، موجة التحول الرقمي تعيد كتابة قواعد المنافسة على العملات. وتعمل البنك المركزي الأوروبي على تعزيز مكانة اليورو دوليًا من خلال مشروع اليورو الرقمي، حيث تجاوزت المعاملات عبر التجربة لليوان الرقمي (e-CNY) 200 مليار دولار في المدفوعات العابرة للحدود. توفر هذه العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC) إمكانيات تقنية لتجاوز نظام الدولار، ورغم أنها لن تهدد الدولار على المدى القصير، إلا أنها ستقضي تدريجيًا على مزايا الشبكة التي يتمتع بها.
تغيرات في نظام الاحتياطيات الأجنبية العالمية (2022-2025)
الدولار: من 58.79% إلى 56.32% (انخفاض 2.47%)
اليورو: من 20.5% إلى 19.8% (انخفاض 0.7%)
اليوان: من 2.8% إلى 3.2% (ارتفاع 0.4%)
الذهب: من 13.5% إلى 24% (ارتفاع 10.5%)
الزيادة الكبيرة في حصة الذهب تعتبر من أكثر البيانات إثارة للانتباه. حيث اشترت البنوك المركزية الذهب بكميات كبيرة بين 2023 و2025، مما يعكس تراجع الثقة في جميع العملات القانونية. وعلى الرغم أن هذا الاتجاه «إزالة التمويل النقدي» لا يهدد الدولار مباشرة، إلا أنه يضعف أساس النظام النقدي الورقي ككل.
التحديان المزدوجان لليورو واليوان
أشار بانيتا إلى أن الدولار لا غنى عنه، لكن إمكانيات اليورو واليوان تظهر تدريجيًا. تهدف الاتحاد الأوروبي إلى رفع حصة اليورو في الاحتياطيات العالمية إلى 25% بحلول 2030، وهو يتطلب زيادة بنسبة 5.2 نقطة مئوية عن المستوى الحالي البالغ 19.8%. تتضمن استراتيجية البنك المركزي الأوروبي دفع اليورو الرقمي، وتطوير اتحاد أسواق رأس المال في المنطقة، وإقناع المزيد من الدول باستخدام اليورو كعملة تسوية تجارية.
مشروع اليورو الرقمي هو السلاح الاستراتيجي الأهم للبنك المركزي الأوروبي. وقد غطى اختبار التوافق بين هذا المشروع ومنصة mBridge (التي أطلقها البنك المركزي الصيني، ومكتب النقد في هونغ كونغ، والبنك المركزي التايلاندي، وغيرها) 22 دولة. هذا التوحيد في المعايير التقنية يمهد الطريق لتدويل اليورو في العصر الرقمي. وفي الوقت ذاته، ذكر رئيس البنك المركزي الأوروبي لاغارد مؤخرًا أن الحمائية الأمريكية قد توفر «فرصة جيدة» لليورو، في إشارة إلى أن سياسات ترامب الجمركية قد تدفع شركاء أوروبا التجاريين نحو تسوية اليورو.
أما عن صعود اليوان، فهو أسرع. حيث يمثل الآن 4.33% من المدفوعات العالمية، وتصل نسبة التسويات بعملات على طول مبادرة الحزام والطريق إلى أكثر من 50%. ومن خلال اتفاقيات المبادلة الثنائية، وإنشاء بنوك تسوية باليوان، وتعزيز تطبيقات اليوان الرقمية عبر الحدود، تعمل الصين على رفع مستوى قبول اليوان دوليًا بشكل منهجي. وتحول روسيا إلى التسوية باليوان بأكثر من 95%، وهو من الحالات الأكثر تطرفًا، لكنه يعكس أن سرعة ظهور عملة بديلة قد تتجاوز التوقعات تحت ضغط السياسات الجيوسياسية.
ومع ذلك، فإن دولرة اليوان لا تزال تواجه قيودًا هيكلية، خاصة فيما يتعلق بالسيطرة على رأس المال. طالما أن الصين لم تفتح بالكامل تدفقات رأس المال بحرية، فسيظل اليوان عاجزًا عن أن يصبح عملة احتياط عالمية حقيقية. أما اليورو، رغم انفتاحه، فهو مقيد بتجزئة المالية داخل المنطقة، ويفتقر إلى جهة إصدارية موحدة مثل وزارة الخزانة الأمريكية. هذه القيود الهيكلية تعني أن هيمنة الدولار تتراجع، ولكن لا يمكن استبداله بالكامل على المدى القصير.
ثمن التعددية: تقلبات ومخاطر التمزق
حذر بانيتا من أن التعددية إذا كانت غير منسقة، قد تؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار الصرف وانتشار الأزمات عبر الحدود. ففي عام 2025، انخفض مؤشر الدولار بنسبة 8.9% خلال أول 100 يوم من تولي ترامب، وهو أكبر انخفاض في التاريخ، مما أدى إلى تدفقات رأس مال خارجة من الأسواق الناشئة. وأدت الصراعات الجيوسياسية، مثل أزمة أوكرانيا، إلى تجميد احتياطيات روسية بقيمة 300 مليار دولار، مما زاد من تفتيت نظم المدفوعات.
وتوضح التقارير أن حصة الدولار في المعاملات العالمية في 2025 لا تزال عند 89.2%، رغم أن حجم المبادلات بالعملات غير الدولار ارتفع بنسبة 30%، مما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار. وعلى الرغم من أن شبكات بديلة لسويفت مثل mBridge تقلل من خطر الاعتماد على نظام واحد، إلا أنها ترفع أيضًا من مخاطر النظام الكلي نتيجة غياب معايير تنظيمية موحدة وآليات حل النزاعات.
وأكد بانيتا أن إدارة المخاطر تتطلب قواعد واضحة، وتثبيت موثوق به، وتعزيز التعاون الدولي المستمر. ودعا إلى تعزيز الربط بين البنوك المركزية للعملات الرقمية في إطار مجموعة العشرين. كما أن استقلالية البنوك المركزية ذات أهمية بالغة، تمامًا كما حافظ البنك المركزي الإيطالي على استقلاليته خلال نزاعه حول الاحتياطيات الذهبية، لمنع التدخل السياسي الذي قد يضر بمصداقية العملة.
هذه التوقعات تترك آثارًا عميقة على الاقتصاد العالمي: فالدول الناشئة يمكنها تقليل اعتمادها على الدولار، والاستفادة من تدويل اليوان لتقليل تكاليف النزاعات التجارية؛ أما الاقتصادات المتقدمة، فعليها التكيف مع زيادة الاستقلالية السياسية. بشكل عام، فإن التعددية ستدفع نحو نظام أكثر عدالة واستقرار، لكن يجب الحذر من التقلبات قصيرة الأمد.
شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
انخفض احتياطي الدولار إلى أقل من 56٪! مسؤول في البنك المركزي الأوروبي: نمط العملات المتعددة قد تشكل بالفعل
أكد أعضاء لجنة إدارة البنك المركزي الأوروبي فابيو بانيتا بشكل واضح أن النظام النقدي الدولي يتجه من هيمنة الدولار الأحادية إلى توزيع متعدد الأقطاب. ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي (IMF) حتى الربع الثاني من عام 2025، انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات الأجنبية العالمية إلى 56.32%، وهو أدنى مستوى منذ 30 عامًا. وأكد بانيتا أن تسارع الرقمية في الاقتصاد العالمي وتعدد الأقطاب الجيوسياسية يعيدان تشكيل نظام العملات الدولية.
الثلاثة تشققات الهيكلية في انهيار هيمنة الدولار
انخفاض حصة الاحتياطيات بالدولار دون 56% ليس تقلبًا عشوائيًا، بل نتيجة تفاعل ثلاث قوى هيكلية رئيسية. أولًا، تخطى حجم ديون الولايات المتحدة 36 تريليون دولار، بنسبة تصل إلى 124% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم يتجاوز بكثير الحد الآمن الذي يراه الاقتصاديون عند 90%. وأشارت تقارير داخل البنك المركزي الأوروبي إلى أن الإفراط في تسييل الدين يهدد الأساس الائتماني للدولار، مما يدفع البنوك المركزية لإعادة تقييم مخاطر حيازة الأصول بالدولار.
ثانيًا، تسريع تسليح المالية أدى إلى تآكل نفوذ الدولار. بعد أزمة أوكرانيا، تم تجميد احتياطيات روسية بقيمة 300 مليار دولار، وهو إجراء غير مسبوق أظهر المخاطر السياسية المرتبطة بنظام الدولار. وتحول روسيا بسرعة نحو التسوية باليوان، حيث تجاوزت حصتها 95%. وتعمل دول البريكز (BRICS) على إنشاء نظام دفع مستقل عن سويفت، رغم أن التقدم بطيء، إلا أن الاتجاه واضح. وعلى الرغم من أن بانيتا لم ينتقد الولايات المتحدة بشكل مباشر في خطابها في دبلن، إلا أنه أشار إلى أن العقوبات الأحادية «قد تكون فعالية عكسية».
ثالثًا، موجة التحول الرقمي تعيد كتابة قواعد المنافسة على العملات. وتعمل البنك المركزي الأوروبي على تعزيز مكانة اليورو دوليًا من خلال مشروع اليورو الرقمي، حيث تجاوزت المعاملات عبر التجربة لليوان الرقمي (e-CNY) 200 مليار دولار في المدفوعات العابرة للحدود. توفر هذه العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC) إمكانيات تقنية لتجاوز نظام الدولار، ورغم أنها لن تهدد الدولار على المدى القصير، إلا أنها ستقضي تدريجيًا على مزايا الشبكة التي يتمتع بها.
تغيرات في نظام الاحتياطيات الأجنبية العالمية (2022-2025)
الدولار: من 58.79% إلى 56.32% (انخفاض 2.47%)
اليورو: من 20.5% إلى 19.8% (انخفاض 0.7%)
اليوان: من 2.8% إلى 3.2% (ارتفاع 0.4%)
الذهب: من 13.5% إلى 24% (ارتفاع 10.5%)
الزيادة الكبيرة في حصة الذهب تعتبر من أكثر البيانات إثارة للانتباه. حيث اشترت البنوك المركزية الذهب بكميات كبيرة بين 2023 و2025، مما يعكس تراجع الثقة في جميع العملات القانونية. وعلى الرغم أن هذا الاتجاه «إزالة التمويل النقدي» لا يهدد الدولار مباشرة، إلا أنه يضعف أساس النظام النقدي الورقي ككل.
التحديان المزدوجان لليورو واليوان
أشار بانيتا إلى أن الدولار لا غنى عنه، لكن إمكانيات اليورو واليوان تظهر تدريجيًا. تهدف الاتحاد الأوروبي إلى رفع حصة اليورو في الاحتياطيات العالمية إلى 25% بحلول 2030، وهو يتطلب زيادة بنسبة 5.2 نقطة مئوية عن المستوى الحالي البالغ 19.8%. تتضمن استراتيجية البنك المركزي الأوروبي دفع اليورو الرقمي، وتطوير اتحاد أسواق رأس المال في المنطقة، وإقناع المزيد من الدول باستخدام اليورو كعملة تسوية تجارية.
مشروع اليورو الرقمي هو السلاح الاستراتيجي الأهم للبنك المركزي الأوروبي. وقد غطى اختبار التوافق بين هذا المشروع ومنصة mBridge (التي أطلقها البنك المركزي الصيني، ومكتب النقد في هونغ كونغ، والبنك المركزي التايلاندي، وغيرها) 22 دولة. هذا التوحيد في المعايير التقنية يمهد الطريق لتدويل اليورو في العصر الرقمي. وفي الوقت ذاته، ذكر رئيس البنك المركزي الأوروبي لاغارد مؤخرًا أن الحمائية الأمريكية قد توفر «فرصة جيدة» لليورو، في إشارة إلى أن سياسات ترامب الجمركية قد تدفع شركاء أوروبا التجاريين نحو تسوية اليورو.
أما عن صعود اليوان، فهو أسرع. حيث يمثل الآن 4.33% من المدفوعات العالمية، وتصل نسبة التسويات بعملات على طول مبادرة الحزام والطريق إلى أكثر من 50%. ومن خلال اتفاقيات المبادلة الثنائية، وإنشاء بنوك تسوية باليوان، وتعزيز تطبيقات اليوان الرقمية عبر الحدود، تعمل الصين على رفع مستوى قبول اليوان دوليًا بشكل منهجي. وتحول روسيا إلى التسوية باليوان بأكثر من 95%، وهو من الحالات الأكثر تطرفًا، لكنه يعكس أن سرعة ظهور عملة بديلة قد تتجاوز التوقعات تحت ضغط السياسات الجيوسياسية.
ومع ذلك، فإن دولرة اليوان لا تزال تواجه قيودًا هيكلية، خاصة فيما يتعلق بالسيطرة على رأس المال. طالما أن الصين لم تفتح بالكامل تدفقات رأس المال بحرية، فسيظل اليوان عاجزًا عن أن يصبح عملة احتياط عالمية حقيقية. أما اليورو، رغم انفتاحه، فهو مقيد بتجزئة المالية داخل المنطقة، ويفتقر إلى جهة إصدارية موحدة مثل وزارة الخزانة الأمريكية. هذه القيود الهيكلية تعني أن هيمنة الدولار تتراجع، ولكن لا يمكن استبداله بالكامل على المدى القصير.
ثمن التعددية: تقلبات ومخاطر التمزق
حذر بانيتا من أن التعددية إذا كانت غير منسقة، قد تؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار الصرف وانتشار الأزمات عبر الحدود. ففي عام 2025، انخفض مؤشر الدولار بنسبة 8.9% خلال أول 100 يوم من تولي ترامب، وهو أكبر انخفاض في التاريخ، مما أدى إلى تدفقات رأس مال خارجة من الأسواق الناشئة. وأدت الصراعات الجيوسياسية، مثل أزمة أوكرانيا، إلى تجميد احتياطيات روسية بقيمة 300 مليار دولار، مما زاد من تفتيت نظم المدفوعات.
وتوضح التقارير أن حصة الدولار في المعاملات العالمية في 2025 لا تزال عند 89.2%، رغم أن حجم المبادلات بالعملات غير الدولار ارتفع بنسبة 30%، مما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار. وعلى الرغم من أن شبكات بديلة لسويفت مثل mBridge تقلل من خطر الاعتماد على نظام واحد، إلا أنها ترفع أيضًا من مخاطر النظام الكلي نتيجة غياب معايير تنظيمية موحدة وآليات حل النزاعات.
وأكد بانيتا أن إدارة المخاطر تتطلب قواعد واضحة، وتثبيت موثوق به، وتعزيز التعاون الدولي المستمر. ودعا إلى تعزيز الربط بين البنوك المركزية للعملات الرقمية في إطار مجموعة العشرين. كما أن استقلالية البنوك المركزية ذات أهمية بالغة، تمامًا كما حافظ البنك المركزي الإيطالي على استقلاليته خلال نزاعه حول الاحتياطيات الذهبية، لمنع التدخل السياسي الذي قد يضر بمصداقية العملة.
هذه التوقعات تترك آثارًا عميقة على الاقتصاد العالمي: فالدول الناشئة يمكنها تقليل اعتمادها على الدولار، والاستفادة من تدويل اليوان لتقليل تكاليف النزاعات التجارية؛ أما الاقتصادات المتقدمة، فعليها التكيف مع زيادة الاستقلالية السياسية. بشكل عام، فإن التعددية ستدفع نحو نظام أكثر عدالة واستقرار، لكن يجب الحذر من التقلبات قصيرة الأمد.